{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنزلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37)}يقول تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} وهم قائمون بمقتضاه {يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ} أي: من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 121] وقال تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 107، 108] أي: إن كان ما وعدنا الله به في كتبنا من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم لحقا وصدقا مفعولا لا محالة، وكائنا، فسبحانه ما أصدق وعده، فله الحمد وحده، {وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109].وقوله: {وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} أي: ومن الطوائف من يكذّب ببعض ما أنزل إليك.وقال مجاهد: {وَمِنَ الأحْزَابِ} اليهود والنصارى، من ينكر بعضه ما جاءك من الحق.وكذا قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.وهذا كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 199].{قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ} أي: إنما بعثت بعبادة الله وحده لا شريك له، كما أرسل الأنبياء من قبلي، {إِلَيْهِ أَدْعُو} أي: إلى سبيله أدعو الناس، {وَإِلَيْهِ مَآبِ} أي: مرجعي ومصيري.وقوله: {وَكَذَلِكَ أَنزلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} أي: وكما أرسلنا قبلك المرسلين، وأنزلنا عليهم الكتب من السماء، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا، شرّفناك به وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 11].وقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} أي: آراءهم، {بَعْد مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} أي: من الله تعالى {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} أي: من الله تعالى. وهذا وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعدما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والمحجة المحمدية، على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام.